"عايشة الدور" مواهب وخفة ظلّ تطغى على القصة المكررة

 
أنهيت للتو مشاهدة مسلسل "عايشة الدور"، وهو عمل درامي لطيف جداً يحمل بصمة خاصة رغم أنّ بعض أفكاره مستوحاة أو متكررة في العديد من الأعمال الأجنبية والعربية. لكن ما يميّزه حقاً هو قدرته على إعادة تقديم هذه الأفكار بشكل سلس وممتع، مع مسحة كوميدية غير مبتذلة، تحافظ على توازن العمل بين الجدية وخفة الظل.

أحد أقوى عناصر المسلسل هو الانسجام بين الشخصيات، إذ نجح صنّاع العمل في خلق ديناميكية مقنعة بين الممثلين، سواء في مشاهد الصراع بين الأجيال أو في العلاقات العائلية والاجتماعية. وهذه نقطة تُحسب للفريق بأكمله، من الكتابة إلى الإخراج وأداء الممثلين. فالمسلسل يعكس واقعاً معيشياً يمكن للكثيرين أن يجدوا أنفسهم فيه، مما يجعله قريباً من الجمهور.

ومن الأمور التي تستحق الإشادة أن المسلسل لم يلجأ إلى التنمر كأداة كوميدية، وهو خطأ شائع في الكثير من الأعمال الحديثة التي تحاول انتزاع الضحك بالإساءة إلى الآخرين بناءً على الشكل أو الخلفية الاجتماعية أو أي اختلاف آخر. على العكس، "عايشة الدور" قدّم شخصيات متنوعة اجتماعياً وثقافياً دون أي محاولة للإقصاء أو السخرية الجارحة. وهذا يضفي على العمل بُعداً إنسانياً محترماً، يجعله مناسباً لمختلف الفئات العمرية، ويمنحه قيمة إضافية مقارنة بالكثير من الإنتاجات التي تروج للتنمر بشكل غير مسؤول.

وما بين الخبرة والشباب لا يمكن الحديث عن المسلسل دون الإشارة إلى الأداء الرائع لمعظم الممثلين. دنيا سمير غانم، التي أصبحت نجمة قادرة على حمل عمل كامل على عاتقها، أظهرت براعة في تجسيد شخصيتي عايشة وفاتيما، إذ تمكنت من خلق تمايز واضح بينهما دون مبالغة. لكن نجاح العمل لم يكن قائماً عليها وحدها؛ فالمسلسل قدّم أيضاً مجموعة من الوجوه الشابة التي أبدعت، خصوصاً أيمن (أحمد عصام السيد) الذي أظهر موهبة قوية تبشر بمستقبل واعد، لم يغب عنها حسه الكوميدي سواء بطريقة كلامه أو نظراته من تحت النظارات أو حركة يديه، وكذلك سالي (فرح عزت) الموهوبة والجميلة ذات الانفعالات المبهرة، ومثلهما نسمة (أميرة أديب) الناجحة في أداء دور الشر، وما كره الجمهور لها إلّا إثبات لنجاحها هذا في تقمص شخصيتها كما يجب. كذلك لا يمكن إغفال الأداء المقنع للممثلين المخضرمين مثل داليا (فدوى عابد) والدكتور حازم (نور محمود) ووالد عايشة (ماجد القلعي) وناديا (آنا مينشيكوفا)، ووحيد (عبد الرحمن حسن)، وغيرهم، فقد أضفوا عمقاً وواقعية على العمل، وبعض اللمسات الكوميدية الناجحة.

على مستوى الشكل، ومقارنة مع الأعمال السائدة مما يُحسب للمسلسل أنه تجنّب السقوط في فخ الإطالة والتكرار، الذي أصبح سمة الكثير من الإنتاجات الحديثة. فالمسلسلات غالباً ما تُمدد بشكل يفقدها تماسكها، بينما "عايشة الدور" حافظ على إيقاع متوازن يجعله غير ممل. وهذا ما يدفع للتساؤل: لماذا لا تتبنى معظم المسلسلات العربية نظام الـ15 حلقة بدل الإصرار على 30 حلقة تُملأ بحشو غير ضروري؟

اقرأ أيضاً: 

أغاني رمضان: نقد اجتماعي سياسي يمتزج بالروحانية


في المقابل، وعلى الرغم من كلّ الإيجابيات، لا يخلو المسلسل من بعض الهفوات الكتابية والإخراجية. هناك لحظات بدت فيها الحبكة متسرعة أو غير مكتملة، ربما بسبب ضيق الوقت أو ضغوط الإنتاج. بعض المشاهد كان يمكن تطويرها بشكل أفضل لمنح الشخصيات أبعاداً أعمق، كما أن هناك بعض المواقف التي بدت تقليدية أو غير مفاجئة للمشاهد المتابع للأعمال الدرامية.

كلمة أخيرة، "عايشة الدور" تجربة ممتعة ومشجعة على مستوى الدراما الكوميدية الخفيفة. هو ليس عملاً مثالياً، لكنّه بعيد عن الابتذال والتكرار الممل، ويقدم لمسة فنية راقية في وقتٍ تمتلئ فيه الشاشات بمحتوى يفتقر إلى الذوق الرفيع. هو عمل يستحق المشاهدة، ويعطي أملاً في أن الدراما العربية ما زالت قادرة على تقديم إنتاجات ذات قيمة إذا توفرت الإرادة الحقيقية لخلق محتوى جيد.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوميات لبنانيين محاصرين في المربع الأحمر

نصائح لنجاح متكامل في العام الجامعي الأول