ألفة المسّ

 


فجأة تنبّه إلى أنّه يطرق باب المسّ، وعندما راجع علاماته أملاً في علاج مبكر، أدرك أنّه داخل داره منذ أمد، ولا يطرق سوى باب وهمي آخر من صنعه، كأنّه في شريط "جزيرة شاتر1" السينمائي. 

كان قد فقد الثقة بنفسه قبل كلّ شيء، وبالمحيط الصغير من حوله، بل بالعالم مهما اتسع. لم يعد يفرّق ما بين حقيقة وخيال. رأى ما لا يوجد، وسمع أصواتاً لا تقول. تنخرُ الصور والهمسات خلايا دماغه، تتسلل إلى مساراتها، وتخوض سباقات فوق حلبات أعصابه. يشعرُ أنّه مطارَد من قوى خفية مجهولة تعلنُ عن نفسها كلّ يوم بطريقة لا تشبه ما قبلها، ويعجز عن تحديد تلك الهوية، ليعيش خوفاً وقلقاً وتوتراً، في دوام متقطع، ما إن يغيب حتى يعود.
الأسوأ أنّه لا يجد من يفهمه كي يلتمس مساعدة منه. ربما المطلوب كما يقال دوماً أن يصغي أحدهم إليه لا أكثر. لكنّه لا يجد سوى نفسه التي بدأت، بدورها، تخونه وتخدعه وتتواطأ مع تلك الهمسات والصور عليه، أو هكذا يهيَّأ له على الأقل.

يمضي إلى وجهة نهائية سيختبر فيها نبذاً من دون اختيار، فقد بات غريباً عن كلّ شخص، حتى عن تلك النفس؛ نفسه. باب المسّ يكبر ويزداد أقفالاً، وهو في الداخل لا يقاوم أو يصارع. يستسلم للنوبات... لم تعد هناك أيّ غرابة، يتحرّرَ أخيراً من كلّ نبذ.

1- Shutter Island للمخرج مارتن سكورسيزي 2010.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوميات لبنانيين محاصرين في المربع الأحمر

نصائح لنجاح متكامل في العام الجامعي الأول