الزمن العصيب مقيماً في لبنان
"في الزمن العصيب كلّهم يقسمون. يحنثون. يخفون. الكلّ يرتعد. الخوف من المستقبل... من المجهول... من مفاجآت الحروب". هذا ما تقوله رواية "التبر" للكاتب الليبي إبراهيم الكوني. وبينما يوجهنا الكاتب إلى طباع الناس المتغيرة، فإنّه يترك المجال مفتوحاً أمام ذلك "الزمن العصيب" كي يستمر طويلاً جداً، كما في حالة لبنان مثلاً، الذي ربما لم يعرف طوال تاريخه زمناً غير "الزمن العصيب" وحتى نوستالجيا الستينيات التي تؤلَّف عنها قصائد سويسرا الشرق وتُعزَف فيها مواويل مستشفى العرب ومطبعته ومصرفه، كانت تفصل بين حربين أهليتين، بل الستينيات نفسها من الزمن العصيب في كثير من عناصرها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، وإن كان مشروع الدولة خلالها أقرب من أيّ وقت قبلها وبعدها إلى البناء.
معظم كبار السنّ ممن يعيشون بيننا اليوم ولدوا في فترة الحرب العالمية الثانية والاستقلال. هو زمن عصيب جداً.
ومن أواخر الأربعينيات إلى نهاية الستينيات عاشوا أسوأ أزمنة عصيبة بين نكبة ولادة الكيان الصهيوني، ثم الثورات العربية المرتدة إلى الداخل اللبناني تحشيداً واصطفافاً شرقاً وغرباً، وصولاً إلى الهزيمة الكبرى من إسرائيل عام 1967. هو زمن عصيب كئيب لعين.
السبعينيات والثمانينيات مقتلة عظمى، يمكن أن تُروى عنها ملايين الصفحات، وتحتمل آلاف وجهات النظر. عدم التوافق على روايتها وحده عصيب، فما بالك بما جرى فعلاً فيها على من عاشها!؟
التسعينيات استمرار المقتلة بمحطات صهيونية، ومحاصصة الطوائف ومشاريع الوهم ومراكمة الدين العام بحضور الضابط السوري. هو زمن التلاعب بمصير من سيولدون عام 2050 وما بعده حتى. هو زمنُ طاعون.
العقد الأول من الألفية الجديدة، الفوضى كبديل عن الحرب. تصفية حسابات القوى الإقليمية والدولية تعود مجدداً. الانهيار شامل، والمقتلة تُستأنف صهيونياً في 2006... ووطنياً في 2008. الاصطفافات متكاملة الأركان، والاغتيالات لغة التخاطب اليومية.
العقد الثاني من الألفية الثالثة، سوريا، وكلّ ما يرتبط بسوريا. كلّ أمل وحلم وخداع ذات وصل إلى واقعه المؤلم. لبنان لن يكون يوماً دولةً. هذا زمن اليقين، والتنبّه الفعلي للزمن العصيب بعد غياب طويل عن الوعي.
2020- 2021 واليوم وغداً، زمن الانهيار الكامل... لم يُكتفَ بما ناله اللبنانيون من قتل وضرائب وديون وبطالة وتهجير وتجهيل وتأجيج للعصبيات الطائفية طوال العقود الماضية؛ في عامين فقط انتشر كورونا بينهم، وسُرقت مدخراتهم في المصارف، وانهار مستوى معيشتهم، وتكررت جولات إذلالهم في كلّ ميدان، طوابير لكلّ شيء، مصارف، سوق سوداء، انقطاع واحتكار دواء، حتى أنّ عاصمتهم ضُربت بتفجير يحمل صفة الفرادة، كفرادة أزمة عصيبة يعيشها البلد الصغير وتستمر طويلاً حتى يصبح المجهول معلوماً، لا خوف منه ولا تفاجؤ. هو زمن عصيب... مقيم بيننا ولا نعرف نهاية محتملة له.
تعليقات
إرسال تعليق