في فهم مسألية علم اجتماع المعرفة لدى كارل مانهايم

 
كارل مانهايم Karl Mannheim
(كارل مانهايم، رسم: موريلي/ العربي الجديد)

كارل مانهايم 
(1893-1947) عالم اجتماع ألماني. عاش ثلاث مراحل أساسية في المجر (ولد فيها) وألمانيا وبريطانيا التي مات فيها عن عمر 53 عاماً. يعتبر من الآباء المؤسسين لعلم اجتماع المعرفة. كتابه الأبرز "الأيديولوجيا واليوتوبيا (أو الطوباوية)" أنجزه بعمر 36 عاماً، سنة 1929. وهو الكتاب الذي بيّن فيه أسس علم اجتماع المعرفة خصوصاً لجهة ربطه بالنسبية الاجتماعية. أمّا كتابه الأساسي حول علم اجتماع المعرفة فقد ظهر بعد وفاته بخمس سنوات عام 1952 بعنوان "أبحاث في علم اجتماع المعرفة"، وهو الذي يستند إليه العرض الآتي.

كفرع جديد من علم الاجتماع يستخدم أدواته، فإنّ ميدان علم اجتماع المعرفة لدى مانهايم هو الفكر البشري ككل، وكيفية وماهية تبدلاته.

وحول ظهور هذا العلم الجديد بالذات في تلك المرحلة لا في مراحل سابقة، فإنّ مانهايم يربطه بتشكل ما يسميه "كوكبة نجوم" أربع أدت إلى تبلور علم اجتماع المعرفة في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين:

1-  تخطي النسبية المثالية
لا شيء مطلق ولا شيء نهائي والفكرة ترتبط بواقعها الاجتماعي. هذه الخلاصة كانت نتيجة تأثر مانهايم بنظريتي ألبرت أينشتاين النسبية الخاصة والنسبية العامة في أوائل القرن العشرين. وهما النظريتان اللتان تركتا تأثيراً بالغاً في العلوم الإنسانية والاجتماعية، فالمعرفة نسبية، والزمان والمكان من ركائزها الأساسية. هذه النسبية مخالفة للنسبية التي يعترف مانهايم بوجودها في الفكر الإنساني منذ وجد. فنسبية الفكر الديني مثالية. أما نسبية مانهايم فاجتماعية تربط كلّ فكرة بالمجتمع الذي هي فيه والواقع الذي تنطلق منه.

2- بروز النزعة العقلانية مع عصر الأنوار
شكلت العقلانية التي بدأت في البروز في عصر الأنوار في أوروبا، الأرضية الذهنية لمفهوم النسبية الاجتماعية. بدأت المثالية بالتراجع مع تقدم الفكر العقلاني، وهو ما ساعد في عملية تبدّل الذهنية التي أدت لاحقاً إلى عمليات تغيير سياسية واجتماعية واقتصادية مع الثورة الفرنسية. بات العقل سيد الموقف الجديد، وهو ما أدى إلى تولّد شكل جديد من المعرفة لدى الناس تميّز بمناصرة العقل ومعاداة المثالية. وهو ما ترسخ أكثر مع مع النسبية الاجتماعية.

3- تبديل أساسي في نظام القيم السائد
التغيير في الأفكار والذهنية فقط لا يكفي لترسيخ التغيير في كامل بنية المجتمع. على هذا الأساس، كان لارتباط العقلانية وصعودها بصراع الطبقات الاقتصادي من خلال النظرية الماركسية الأثر الأبرز في تعميق التحليل، أي التحليل العقلاني، باتجاه حقل معين هو الحقل الاقتصادي. بذلك، طورت الماركسية مفهوم النسبية ليتميز بعدها ببعدين اجتماعي واقتصادي، ولو أنّها أعلنت أنّ البعد الاقتصادي هو المركزي، وهو مفتاح التفسير كونه جوهر العلاقات الاجتماعية.

4- اتسام النسبية بالطابع الشمولي
مشروع نزع الأقنعة وتحطيم أصنام الأفكار المثالية التي كانت سائدة، يؤكد مانهايم أنّه لن يصل إلى هدفه النهائي إلاّ مع توضيح علاقة الفكر بالواقع الاجتماعي. ولكي يتم ذلك، يجب أن تُنزَل البنية الفوقية الأيديولوجية بكاملها إلى مستوى الواقع الاجتماعي فتكون بذلك تابعة له، وليست محرّكة له أو متحكمة به. وحتى لو ابتعدت الأفكار عن الواقع الاجتماعي تبقى مشدودة إليه. ومع نزع الأقنعة عن الأفكار السابقة وكشف زيفها لا بدّ للنزعة النسبية من كشف علاقة تلك الأفكار نفسها بتصور الكون السائد. ومع ارتباط النسبية بالعلاقات الاقتاصدية والاجتماعية ينشأ فهم جديد يشمل عالم الأفكار ككل. فبالنسبية الشمولية تلك نتلمس خفايا الصراع القائم بين تصورات الكون الخاصة بالفئات والطبقات الاجتماعية، طالما أنّها ترشدنا إلى رصد خلفيات الأفكار الاقتصادية والسياسية.

عصام سحمراني
‏25‏/04‏/2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوميات لبنانيين محاصرين في المربع الأحمر

نصائح لنجاح متكامل في العام الجامعي الأول