جرائم الياقات البيض في لبنان
تحت عنوان "جرائم الياقات البيض" يكتب عالم الاجتماع، أنطوني غيدنز: "رغم أنّ ثمة نزعة إلى الربط بين الأنشطة الجرمية من جهة وفئات الشباب ولا سيما الذكور في الطبقات الدنيا من جهة أخرى، إلا أنّ الجريمة لا تنحصر بأي حال من الأحوال في هذه الشريحة الاجتماعية. إنّ أعداداً عديدة من الناس الأثرياء والأكثر نفوذاً في المجتمع يرتكبون أعمالاً إجرامية تتجاوز في ضخامتها وخطورتها وأثرها ما يقوم به الفقراء من أعمال جرمية".
هؤلاء المجرمون الكبار، ذوو الأثر الأخطر، هم من تطلَق عليهم تسمية "الياقات البيض". وإذا كان غيدنز يتحدث عن مجتمعات غربية تمكنت إلى حدّ ما في محاربة هذه الجرائم وأصحابها "بفعل تزايد الهيئات والأجهزة الرسمية وغير الرسمية التي تهتم بمكافحة الفساد" فإنّه لم يتطرق إلى هذه الجرائم في بلادنا.
لبنان مثال فاضح جداً في هذا المجال، وآثار جرائم الياقات البيض أخطر بمراحل كبيرة من آثار جرائم غيرهم، بل إنّ التداخل حاصل في كثير من الأحيان بشكل غير معلن، عن طريق عصابات الجريمة المنظمة التي ترتبط بشكل أو بآخر بزعامات سياسية ودينية، وتحظى بحمايتها، حتى أنّ قائد جهاز أمني مكلف بمكافحة فئة تبين تورطه في تسهيل الجريمة نفسها!
مليارات الدولارات نهبتها الياقات البيض في لبنان، بعضها اختفى بالكامل وربما كما تشير بعض التأويلات صار في بنوك سويسرا، فيما تراكم رقم هائل كدين عام، وصولاً إلى الضربة القاصمة في احتجاز أموال المودعين في المصارف، وفتح الباب واسعاً أمام السوق السوداء تمعن في اغتيال الليرة اللبنانية، فيما تستمر في استدراج من يملكون الدولار وإغرائهم.
السجون ومراكز التوقيف الجنائية ممتلئة بشكل مبالغ فيه، لكن بمن؟ بصغار المجرمين، وربما بعدد محدود من الياقات البيض متوسطة الرتبة. هو نهج ثابت تساهم فيه وسائل الإعلام حين تركز على تغطية أخبار هذه الجرائم التي يرتكبها الفقراء، فيما الياقات البيض الأعلى رتبة ونفوذاً لا يجرؤ أحد على محاسبتها، بل على اتهامها حتى. أما الهيئات المعنية بمكافحة الفساد فهي جزء من المشكلة غالباً، في بلد لم يصل بعد إلى مرحلة بناء دولته.
تعليقات
إرسال تعليق