شو بينفع التاريخ إذا أهل بيتك جوعانين؟
| رشيد عساف في "الخربة" | 
"شو بينفع التاريخ إذا أهل بيتك جوعانين؟" لفتني هذا السؤال البلاغي في إحدى حلقات المسلسل السوري الشهير "الخربة" (2011، تأليف ممدوح حمادة، إخراج الليث حجو) على لسان "بو نايف" (رشيد عساف) وهو رئيس إحدى العائلتين اللتين تقتسمان الضيعة، متوجهاً إلى ابن أخيه ومساعده "جوهر" (محمد خير الجراح).
لا شكّ أنّ إسقاط هذا السؤال، وهو المحسوم الإجابة من منظار واقعي، مرجح بشدة للدلالة على ما يجري بيننا من استدعاء أيديولوجي يومي لتواريخ عدة ومُثل مخلّدة، مع شعارات العزة والكرامة والسيادة والعنفوان. لكنّ الإجابة على السؤال محتملة في حالتنا هذه، إذ إنّ النفع لن يلحق بمعظم الناس من مثل هذا الاستدعاء، لكنّه بالتأكيد يتحقق لمن يستدعون التاريخ تجاه مناصريهم بالذات ممن يراد لهم الالتهاء به عن انهيار ساهم زعماؤهم بالذات فيه، لا سيما أنّ التاريخ المستدعى هو كالعادة على مقاس كلّ فريق، من دون الوصول إلى اتفاق حوله. وهو اتفاق غير محتمل بدلالة قراءة الحدث الحالي نفسه، وهو تاريخنا المستقبلي، مما يجري يومياً، قراءات أيديولوجية مختلفة.
يختم المؤرخ كمال الصليبي، كتابه الأشهر عن لبنان "بيت بمنازل كثيرة" بالقول: "ولا يمكن أن تكون للتاريخ أكثر من قيمة أثرية إذا كان مجرد رواية لأحداث الماضي. وإذا كان التاريخ كذلك فمن الأفضل التخلي عنه للمؤرخين. أما إذا كان له معناه وفائدته الاجتماعية، فلا بدّ من إعطائه كلّ ما يستحق من أبعاد له".
اللافت أنّ زعماء لبنان وحواشيهم يتجاوزون مجرد رواية أحداث الماضي البعيد والقريب، لكنّ الفائدة الاجتماعية تخدمهم هم بالذات بعد تأويلهم تلك الروايات في ما يخدم مصالحهم، لتتحول القراءة العلمية للتاريخ إلى قراءة أيديولوجية نادراً ما ينجو المؤرخون أنفسهم منها، فما بالك بسياسيين ينزّهون أنفسهم عن كلّ فساد ويتهمون غيرهم، مستدعين كلّ الشواهد المحتملة، وإن وصلت إلى أعماق التاريخ، فيما أهل بيتهم جوعى مفقَرون منهوبون أذلاء يائسون.
تعليقات
إرسال تعليق