على لسان الحيوانات
![]()  | 
| "قلب كلب" في نسخة مترجمة إلى الإنكليزية  | 
من "كليلة ودمنة" سواء كان عربياً خالصاً أم عرّبه ابن المقفع من بيدبا، مروراً بـ"نداء البداءة" و"قلب كلب" و"يوميات دجاجة" وصولاً إلى "مزرعة الحيوان" وغيرها كثير، لا سيما في الأدب الأميركي، أسرت الشخصيات البطلة بصفتها الحيوانية المتكلمة القرّاء.
وكما تختلف الدوافع في ذلك التوظيف للحيوانات المتكلمة، أو الراوية، فإنّ أهداف التوظيف كذلك تختلف، لا سيما حين ننطلق من المجتمع البشري كأساس لأيّ عمل إبداعي، فهو الدافع وهو الغاية وليس هناك من مغزى سواه، خصوصاً أنّ المؤلف جزء من المجتمع يقدم منتجاً إلى قرّاء من ذلك المجتمع بالذات، سواء بلغته الأصلية أو مترجماً، وسواء في عصره أو في عصر لاحق، وسواء في مجتمعه الضيق أو في مجتمع أبعد جغرافياً. فالتناقض الحاصل غالباً ينطلق من طبيعة البشر بالذات وما وصلت إليه الإنسانية من رقيّ أو انحطاط.
هكذا يأتي توظيف الحيوان ليدلّ على الانحطاط الإنساني في كثير من الأحيان، فتصوير الإنسان باعتباره حيواناً يردّه إلى الخصال الغريزية البدائية المتوحشة غير المقبولة في زمن التمدن وأماكنه، خصوصاً في أوقات الأزمة، والفشل السياسي والانحطاط المجتمعي، والفلتان الأمني. لكنّ ذلك التوظيف من ناحية أخرى، يشير إلى الصفاء الروحي الذي ما زالت عليه حياة الأدغال والغابات مهما كانت تضمّ من توحش، لكنّه توحش تحكمه قوانين طبيعية لا مغالاة فيها أبداً، بل توازن، وهو ما نقرأه مثلاً في قصص هانس كريستيان أندرسن، للأطفال، مثلاً.
على العموم، ربما يختلف التوجه أو الهدف، في اختلاف كلّ مجتمع بالذات في زاوية النظر إلى الحيوانات، فمجتمع يعتبر كلمة "حيوان" شتيمة، يصعب على كاتب منه أن ينتج عملاً يحمّل فيها أبطاله من الحيوانات مضامين إيجابية، إذ يصعب عليه الخروج من دائرة المضمون السلبي تلك. سأختم مع بيتين من الشعر يوضحان هذه الفكرة، وهما للشاعر العباسي المعروف بالهجاء، ابن لنكك، للدلالة على التشابه بين مجتمعين مختلفين زمنياً ومكانياً، هما مجتمع بغداد العباسية قبل ألف عام، عند ابن لنكك، ومجتمع موسكو البلشفية قبل مائة عام، عند بولغاكوف، في "قلب كلب" وذلك من خلال تشابه النظرة إلى صفات الكلب "المنحطة" المُسقطة على البشر:
قُـلْ للوضيعِ أبي رياشٍ لا تُبَلْ
تِـهْ كلَّ تِيهكَ بالولايةِ والعَمَلْ
ما ازددتَ حينَ وُليتَ إلاَّ خِسَّةً
كالكلبِ أنجسُ ما يكونُ إذا اغتسلْ

تعليقات
إرسال تعليق