عن الكتّاب سألوني

  

مَن الكاتب؟ في منظور أولي بدئي هو كلّ من يكتب، بطبيعة الحال. وهي مسألة تقنية، ترتقي إلى مستوى مهنة في درجة أعلى مثل كاتب المحكمة، أو كاتب الإضبارات الإدارية، أو الكاتب الذي يستعين به - وربما هي صورة قديمة لكنّها ما زالت مستمرة في بعض مجتمعاتنا- أولئك الذين لا يعرفون الكتابة، بل ربما هو صاحب القلم المفوّه الذي يستعين به البعض أيضاً لتدبيج خطاباتهم، لا سيما السياسيين، لكنّه كاتب تابع في هذا الحال، لا يمكن أن يكون مدار بحث حول شخصه المستقل، كونه جزءاً من شخصية ذاك السياسي، أو غيره.

في منظور ثانٍ، يعتبر المعلق والمحلّل على المستوى الصحافي، كاتباً. وهو أيضاً شبيه بالمنظور الثالث في قطاع النشر، فالكاتب هنا هو المؤلف، سواء كان روائياً أم قاصاً أم باحثاً أم مفكراً، بل أيضاً مترجم في ما يضيف من مقدمات بحثية وحواشٍ وتعقيبات، كما غيرهم ممّن تتضمنه هذه الكلمة، التي تحمل إذ ذاك مضموناً مختلفاً عما ذكرتُه في المنظور الأول، وهو مضمون للكاتب أغنى لجهة القدرة على الانتشار، والتحول إلى طرف في معادلة تضمّ إليه القارئ كطرف آخر.

سوسيولوجياً، هناك تفاعل مفترض بين الكاتب في المنظورين الثاني والثالث والطرف الآخر، في العلاقة أو المعادلة، وهو المتلقي أو القارئ. هنا، لا يكون الكاتب كاتباً إلاّ بمن يقرأه. والقارئ هنا يعلو صورة المعادلة ويتسيدها، أفلا يقال "الجمال في ناظري الرائي"؟

وبينما تُنبَش أسماء من قلب التاريخ سواء القديم، أو النهضوي العربي، للدلالة على براعتها وقدراتها العبقرية، فإنّ ذلك يغفل عن الجمهور الذي يتوجه إليه هؤلاء الكتّاب والذي كان قادراً على مجاراة تلك الأسماء.

في الثلاثين عاماً الأخيرة انتشر التعليم بشكل كبير جداً، لكن تدنت القراءة غير الأكاديمية إلى أقصى حدّ، حتى باتت أرقام القراءة عند العرب يُضرب المثال بسوئها في الأونيسكو. الحدث الأخطر والأسوأ ارتبط بانفجار المعلومات بالترافق مع تحول العالم إلى القطب الواحد، حتى بات تفريغ القضايا محور الإعلام العربي، وتسطيح العقول أساس الحراك الثقافي العربي، وتدجين القراء على السخافات والتفاهات المعولمة غاية المنظومة الاقتصادية المسيطرة في بلادنا، خصوصاً أنّنا غير قادرين لا على القيادة فقط بل على المشاركة بفعالية في الثورة المعلوماتية الجديدة، وليست لنا - غالباً- غير موهبة الاستهلاك، بل إنّ العالم لا يريد منا غير هذا إذ إنّنا بالنسبة له مجرد سوق لسلعه مادية وثقافية. 

في عالم القارئ - الدمية، لا يكون المثال في غير كاتب - دمية... هؤلاء الدمى هم أكثر من يستقطب دور النشر وإلى حدّ كبير الإعلام المؤسساتي، وهم من يحدد هوية الثقافة في عصرنا. وفي المقابل، هناك من يجترّ منذ ألف عام الخطاب نفسه وينسخ ويلصق ويعيد صياغة ويشرح على الشرح كلّ تكفير يصادر التفكير، فيما يرفض الاعتراف أنّ لكلّ حضارة محاسنها ومثالبها، ويعتبر أنّ العودة إلى "عصر ذهبي" هو الغاية والمبتغى، فيغدو التقدم لا أكثر من التراجع.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوميات لبنانيين محاصرين في المربع الأحمر

نصائح لنجاح متكامل في العام الجامعي الأول