قراءة في كتاب "مرتكزات السيطرة الغربية"


يسيطر الغرب على العالم، عالمه وعالمنا، منذ خمسة قرون. ليست المسألة سياسية اقتصادية فحسب بل هي أكثر متعلقة بالفكر الغربي المسيطر والذي يتسم بالديمومة، خصوصاً أنّ البنى المعرفية الغربية قادرة على إعادة التشكل بما يخدم سيطرته بحسب كلّ عصر من العصور، وحالة من الحالات.
يؤكد الكاتب الدكتور فردريك معتوق في بحثه السوسيو- معرفي "مرتكزات السيطرة الغربية/ مقاربة سوسيو- معرفية" أنّ المحركات الذهنية موجودة لدى كافة الشعوب. لكنّها بالنسبة للغرب أدت الدور الذي مكّنه من السيطرة بعكس الشعوب الأخرى.
ومع تهميشه المحرك الجنسي كدافع لتشكيل المواقف، يشدد الكاتب على أهمية المحرك الذهني في هذا الإطار، خصوصاً أنّه يميز الجانب العاقل في الإنسان، لا الغريزي كحال الجنسي. وهو ما يعني أنّ المحرك الذهني يتولى إدراك الجوانب المختلفة للآخر، وهي الجوانب الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والاتصالية وغيرها. 

يشير الكاتب إلى أربعة مفاصل بعضها شكل أحداثا تاريخية سياسية أدت إلى السيطرة الغربية بشكلها الحالي اليوم. المفصل الأول تمكن الإمبراطورية الرومانية من القضاء بالكامل على قرطاجة الفينيقية التي كانت تشكل خطراً على أوروبا بعد عدة حروب كان آخرها بين عامي 149 و146 قبل الميلاد. وهو الحدث الذي أدى إلى منع الشرق من السيطرة على الغرب في المرحلة الأولى تمهيداً لسيطرة الغرب على الشرق لاحقاً. والملاحظ هنا أنّ الإمبراطورية الرومانية ميزت جزءاً من أرضيها وسكانها، عندما فصلت العالم الذي تسيطر عليه بشكل متمايز ما بين "المقاطعات الرومانية" التي يسود فيها القانون الموحد واللغة الموحدة بدورة اقتصادية واحدة وبعبادات رومانية محددة. و"مقاطعات الإمبراطورية الرومانية" التي يحكمها العسكر الروماني وتطبق فيها الأحكام العرفية المحلية وتعبد فيها آلهة محلية.
ميز الرومان أنفسهم وهم الذين يعيشون في أوروبا عن الشعوب التي تقع تحت سيطرتهم في الشرق المتروكة دائماً في تخبط إثنياتها وأعرافها في مصر وسورية وفلسطين وآسيا الوسطى والبلقان. وهي الثنائية التي بلورت تدريجيا شخصية الغربي المميز حضارياً مقابل الشرقي الأدنى رتبة.
هي إذاً نطرة دفاعية. هجوم على الآخر للسيطرة عليه، لمنعه من اختراق الإمبراطورية الرومانية. وهو الأمر نفسه الذي حرك الحملات الصليبية بحسب الكاتب، مع ضخ زخم ديني مكثف. فالفكرة واحدة الهجوم من أجل الدفاع. ومع تفضيل الغرب عدم نقل قوانينه إلى الشعوب المسيطر عليها أدى الأمر إلى انعزاله وتقوقعه، فكان بالرغم من السيطرة العسكرية على الشعوب غير مهيأ للسيطرة الفعلية عليها، على مكونات حياتها كلّها، كما هو حاصل في الغرب.
المفصل الثاني في السيطرة الغربية كان حروب الأفيون التي شنتها الإمبراطورية البريطانية، ولاحقاً انضمت إليها الإمبراطورية الفرنسية لإخضاع الصين في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وهو إخضاع لم يهدف إلى تدمير الصين، كما فعلت رومانيا مع قرطاجة، بل تحويلها بقوتها السكانية الكبيرة إلى زبون لتجار الإمبراطوريتين، خصوصاً مع صعود الرأسمالية. ولم تستخدم الجيوش الغربية مدافع مدمراتها البحرية إلاّ بهدف دفع الصين إلى التوقيع على المعاهدات التي تسمح لها بالسيطرة الاقتصادية الرأسمالية تلك، من خلال تطويع وترويض الحكومات الوطنية. وبذلك ارتبط النهج الاستعماري الغربي بالتزامن مع الثورة الصناعية بالمنطق الرأسمالي الذي يعامل الخصوم بلا رحمة، لكن من دون أن يعتبرهم أعداء نهائيين، بل زبائن بالقوة والاستعداد يصح معهم كلّ أنواع التطويع.
المفصل الثالث يسميه "الكوكبة الذهنية المناسبة" وهو شعور الغربي الدائم بالتفوق مقابل الآخرين، حتى في تعامله اليومي معهم. وهي محركات ذهنية يتشكل منها العقل الغربي وتأتي سوياً في مشاريع سيطرة الغرب. وهي التي سنطلّ عليها مع الكاتب في تحديد مرتكزات السيطرة تلك. وتتألف من الهيمنة، والسجال السياسي، والمعرفة، والتنظيم والربح.
أما المفصل الرابع فيتعلق بالعصر الحالي وسمته الرئيسية العولمة. وهي ابتكار غربي يسعى إلى جعل كل الشعوب منضوية تحت اقتصاد السوق. وذلك من خلال استغلال الشعوب كعمالة رخيصة وكأسواق استهلاكية في الوقت عينه. وتتجلى هنا معادلة الاستتباع بشكل جديد قائم على الرأسمالية صاحبة القرار التي تتركز في الغرب مهما انتشرت شعارات من قبيل "صنع في الصين" فهي ليست مصنوعة في الصين بل معدّة ومعالجة فقط. أما العملية الصناعية الكاملة فركيزتها مصدر القرار المتمركز في الغرب.
المرتكزات الخمسة
الهيمنة
يبدأ الكاتب عرض المرتكزات الخمسة بالهيمنة. ويشير إلى أنّها لدى البشر اجتماعية لا بيولوجية. فهي ترتبط بوضع استراتيجيات محددة. لكنّها لدى البشر أنفسهم تختلف، فمن الأمم من مارست الهيمنة على أساس الغزو العسكري، والاستتباع والاستعباد. لكنّ الهيمنة الغربية التي تأسست من التحالف البريطاني- الفرنسي في القرن الثامن عشر كانت مختلفة. فهي تطلب السيطرة بالكامل على العالم بأسره، وتحمل معها منظومة متكاملة ثقافية وعلمية وأخلاقية واجتماعية واقتصادية، تجعل الشعوب المهيمن عليها أنفسها تعترف أنّها أمام غزاة متفوقين يسعون إلى فرض أنفسهم في كلّ شيء. وهو عكس ما كان يفعله التجار العرب في أفريقيا، أو الصينيون في المحيط الهادئ أو الهنود في آسيا وأفريقيا، عندما كانوا يؤدون أعمالهم نهاراً وينغلقون ويتوقعون ليلاً من دون أن يحاولوا التأثير في المجتمع.
لهذا التفوق مؤسساته التي بدأ السعي إلى تأسيسها مع انتهاء القرون الوسطى وسيطرة الكنيسة التي استمرت منذ سقوط الإمبراطورية الرومانية. وترافق ذلك مع طرح أسئلة أساسية وكبيرة كانت مجمدة طوال ذلك التاريخ، وخرجت في القرن السادس عشر، منها: كيف تعالج مشكلات البشر كافة؟ ما معنى الإنسان الحر؟ ماذا تعني الطبيعة؟ ما العلاقة التي يجب أن تقوم بين الإنسان والعلم؟ كيف يفترض حكم المجتمعات المتنوعة؟
كليات العلوم شكلت فاتحة الطريق أمام هذه المؤسسات التي حملت لواء الفكر المدني والعلماني تجاه الفكر الديني ومكتسبات الكنيسة السابقة، والذي دافعت عنه كليات الآداب من خلال الرهبان خصوصاً. وتأسست بالتالي مؤسسات علمية عديدة مثلت التفوق بإشراف ملكي بعيداً عن سيطرة الكنيسة. وبعد التحرر من سيطرة الكنيسة، ونيل الحصانة الملكية، تتالت الاكتشافات العلمية الكبيرة طوال القرن الثامن عشر، فلم يعد هناك ما يحدّ منها كما هو الحال في القرون الوسطى. ولم يتوقف الأمر عند اكتشافات علمية بل ترافق مع نهضة أدبية وفلسفية كبيرة، حتى بات رجال الفكر هم من يفرضون منطقهم العقلاني على حساب تراجع المنطق الإيماني ورجاله رجال الكنيسة.
هذا التفوق الذي يشعر به الغربي وتكرسه المؤسسات يجعله يعمل للسيطرة على العالم، وتحقيق التفوق التكنولوجي والعسكري انطلاقا من التطوير المستمر في المهارات المعرفية لديه. ويأتي ذلك خصوصاً في ظلّ التفكير العلمي الحديث المؤمن بالبحث والمجدد للعلم، بعكس ما هو حاصل خارج العالم الغربي الذي تسود فيه الدعوات السلفية التي تعود بالناس إلى الماضي بدلاً من التقدم بهم إلى المستقبل.
ذهنية الغرب ترتكز إلى قاعدة صلبة جداً هي العقلانية النسبية، والفردانية. فالعقل بعد القرون الوسطى فرض نفسه نداً للإيمان وباتت كلّ الأمور بحاجة إلى تفسيرات عقلانية لا تهبط من السماء.
الاستثمار العقلي أسس كذلك شعوراً بالتفوق، وكذلك بالتمايز عن القرون الوسطى الذي أدى بالتالي إلى التمايز عن العالم بأسره. وإذ يقدم الغربي نفسه على أنّه فرداني تمثل فردانيته جزءاً من تكوينه الذهني، يعطي الآخرين صفة الذاتي. ويبرز التفوق هنا في أنّ الفردانية عقلانية أما الذاتية فغريزية.
البوليميك
في الفصل الثالث يبرز الكاتب أهم مرتكز من مرتكزات السيطرة الغربية وهو المتمثل في البوليميك. أو المساجلة الذي يختص به الغربيون عن سواهم من الأمم.
هو الاستعداد الذهني للانفتاح على الخصم، من دون شجار وخصام، بل بجدل خلاّق بنّاء يهدف الداخل فيه إلى الخروج بنتيجة مختلفة جدلياً عن تلك التي انطلق منها وينتمي إليها حالياً. ولا يسعى إلى دحر أفكار الآخرين وتثبيت فكرته وحده كما هي. فمن يُنتصَر عليهم في الجدل البوليميكي لا يشعرون بالهزيمة، لأنّ المجال مفتوح امامهم للانتصار لاحقاً. الطرفان توحدهما استراتيجياً دينامية واحدة تجعل نشاطهما السياسي متكاملاً. وهو ما يظهر في المراحل التي تلت الثورة الفرنسية حيث نشأت الجمهورية عام 1789 على أنقاض النظام الملكي. لكنّ النظام الإمبراطوري عاد مع نابليون، لتعود بعده الجمهورية، ثم حكومة يمينية وبعدها يسارية وبعدها مختلطة. البوليميك لا يلغي الخصم أبداً بعكس التجارب السياسية الأخرى الإلغائية.
وقد نشأ البوليميك من المواثيق السياسية والمدنية للتفكير والعمل السياسي والتي وضعها الغرب بعد خروجه من القرون الوسطى. فلا سياسة خارج إرادة المجتمع. إذاً هو استثمار السياسي في الحقل الاجتماعي لصالح البناء الاجتماعي العام.
المعرفة
في الفصل الرابع يقدم الكاتب مرتكز المعرفة في السيطرة الغربية. فالمعرفة لدى الغرب تشكل خزاناً حياً مليئاً بالمعلومات المتجددة والخبرات المتراكمة عبر الأجيال السابقة. لكنّ تلك الأجيال تتفوق في الغرب على الأمم الأخرى لأنّها تلك التي عاشت الاختراعات والاكتشافات وتأسيس العلوم المختلفة ما بعد القرون الوسطى، حيث كان باقي العالم أقل حراكاً علمياً بكثير مما كان الغرب عليه.
ولذلك فميزة المعرفة لدى الغرب هي القلق الناشئ عن هذا الحراك الحيّ، في مقابل الهدوء والثبات لدى غيرهم والاستكانة المعرفية الناشئة عن التقليد والتكرار والنقل. وهنالك بيت شعر للمتنبي يصف هذه الحالة، في ما لو اعتبرنا أنّ الغربي هو العاقل وغيره هو الجاهل، إذ يقول: "ذو العقلِ يشقى في النعيم بعقلِهِ وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ". فالغرب يشقى فعلاً في حراكه المعرفي لكنّه شقاء بنّاء يجعله يعيش في نعيم المعرفة. أما غيره فيعيش في الشقاء على كافة المستويات لكنّه هادئ البال لا يعكر مزاجه أحد، إذ هو يعيش التقليد المريح لكن في الجهل.
يوظف الغرب معرفته في ميدان الحرب وهو ما يبرز تفوقه العسكري المتراكم أيضاً. ولطالما ارتبطت الاختراعات الجديدة بوزارات الحرب في الدول الغربية، التي تعتبرها أسراراً عسكرية تنشد ذلك التفوق. وقديماً كان التلغراف على هذا الحال حتى الكشف عنه أمام الجمهور بعد عقود. وهو ما ظهر في عصرنا الحالي أيضاً من خلال العديد من الاختراعات في ميدان المعلومات والاتصالات والبث الفضائي. ولعلّ أبرز مثال على ذلك هو الإنترنت الذي استخدمه الجيش الأميركي قبل كشفه أمام العامة بعقود. ولنا أن نتخيل اليوم في ظلّ توفر الإنترنت السريع لنا خصوصاً بعد استخدام الألياف الضوئية الخارقة السرعة، ما الذي يخفيه الجيش الأميركي –وغيره من الجيوش الغربية- من وسائل اتصال، قد يظن البعض أنّها مجرد خيال إذا ما كشفت أمامه فجأة.
كذلك، يبني الغرب تفوقه المعرفي هذا من خلال البحث العقلاني الذي تقيم له مجتمعاته منذ القرن السابع عشر وزناً كبيراً وكذلك للعلم الناتج عنه. البحث بات قيمة اجتماعية لديهم، يسعى إلى تخطي معارفه السابقة. ولكي تكون المعرفة مترسخة في المجتمع ومتبلورة فيه يجب أن تكون قائمة على البحث. وهو ما يغيب فعلياً في مدارس وجامعات دول الجنوب. فالجامعات في الجنوب تنقل المعرفة ولا تصنعها عن طريق البحث.
وبالإضافة إلى البحث فإنّ الغرب مهيأ لتطبيق النظريات التي يصنعها. وبالتالي فإنّ التقدم العلمي المرتبط بالتجريب ليس مفصولاً أبداً عن المعارف التي سبقته.
وبالرغم من كلّ هذا البحث والعلم والمعرفة التي تبلغ مستويات مرتفعة جداً، فإنّ ما يميزها غربياً ارتباطها بالمجتمع، بل خدمتها المجتمع. وهو ما يتجلى في جوائز نوبل للامتياز العلمي. فهي تعيد المعرفة العلمية إلى مربطها الاجتماعي، خصوصاً أنّ اختراع نوبل الديناميت جعله يتألم من استخدامه في المجالات الحربية والعسكرية، فأصرّ على تخصيص جائزة للسلام، تبيّن أنّ المعرفة مقرونة بسعادة البشر.
التنظيم
في الفصل الخامس يعرض الكاتب مرتكز التنظيم. وهو في الغرب تنظيم حديث بدأ مع نهاية القرون الوسطى، وتجلى بعد الدخول في النظام الجمهوري في أعقاب الثورة الفرنسية.
وهو التنظيم الذي اعترف غير الغربيين بتفوقه وتميزه. فقد لاحظ هؤلاء أنّ تقدم الغرب العلمي والتكنولوجي ينبثق عن نمط جديد من الوعي والتنظيم الاجتماعي. ومن ذلك سعي كتاب النهضة العربية إلى استلهام هذا النموذج الفريد لرسم سيناريوهات تقدم للمجتمعات العربية مطلع القرن العشرين، فربطوا ما بين الحداثة والتقدم والعدالة الاجتماعية.
بات الغربي مرادفاً للتقدم والازدهار لدى غير الغربيين منذ تلك الفترة. وما زالت هذه النظرة قائمة بالرغم من الأبحاث الاجتماعية والانثروبولجية التي كشفت أنّ لحداثة الغرب وجهين، الأول هو الانتاج الذي يخص الغرب، والثاني هو الاستهلاك الذي يخص كلّ الشعوب.
الربح
في الفصل السادس يبرز الكاتب مرتكز الربح، وهو الذي كان قائماً في كلّ المجتمعات طوال التاريخ. لكنّه يقرنه في التجربة الغربية بظهور الرأسمالية وتمدد رقعتها والاستغلال الذي مارسه أصحاب الثروات في حق من لا يملك إلاّ قوة عمله.
هنا ارتبط مفهوم الحرية بالنشاط المهني للإنسان. فالرأسمالية تعطي العامل إمكانية ولو ضئيلة أن يصبح هو نفسه رب عمل يوماً ما. ولم يكن ذلك خياراً متوفراً سابقاً فقد كان العمل نشاطاً إجبارياً يؤديه الإنسان لتأمين استمرارية حياته.
وبالإضافة إلى فكرة الحرية التي ارتبط العمل بها في مفهومه الرأسمالي، حلت أيضاً فكرة السوق. فالعامل مرتبط بتطور ونمو الأسواق الذي يشمل قارات بأسرها. وبالتالي بات الربح مرتبطاً بفكرتي الحرية والأسواق اللتين تفيدان العامل ورب العمل سوياً.
وهنا يبرز الفارق ما بين العامل الغربي والعامل غير الغربي. فالأول يتمتع بهامش الحرية ضمن فكرة الأسواق العالمية. والثاني يعمل من أجل تأمين بقائه من دون أن يتمتع بالحرية تلك. هذا الأمر قد يؤدي بالأول إلى التحول إلى رب عمل بفضل قدرته على الإدخار وحريته في البدء بالعمل الذي يريد إذا كان قادراً على ذلك. أم الثاني فمحكوم بلقمة عيشه لا يستطيع أن يدخر، ولا يمكنه بأيّ شكل أن يفكر بالتوقف عن العمل ولو ليوم واحد، لأنّ في هذا دماره وفناءه.
يشير الكاتب إلى أنّ الغرب يطوّع الرأسمالية من أجل خدمة المجتمع ككلّ من خلال تقديمات عديدة تقدمها المؤسسات الرسمية والخاصة. والدولة والمواطنون في الغرب على حد سواء يعيشون الاقتصاد كتراث مشترك تقوم مسؤولية النهوض به على الطرفين معاً مادياً ومعنوياً وسياسياً. وكذلك، يتلقى فوائده الطرفان معاً.

خلاصات ونتائج
بعد عرضه المرتكزات الخمسة للسيطرة الغربي، وهي الهيمنة، والبوليميك، والمعرفة، والتنظيم، والربح، يشير الكاتب إلى أنّ الغرب في إحكامه قبضته الحديدية على الشعوب الأخرى خصص لكلّ حالة ما يناسبها. فجاءت مشاريع السيطرة مختلفة الأداء والتنفيذ والوسائل لكنّها في الوقت عينه منسجمة ومتناسقة ذهنياً ومتطابقة مع أساسها المعرفي الواحد.
في الفصل الأخير من دراسته يحدد معتوق شخصية الغربي من منظور أبناء الدول المسماة دول الجنوب على أنّه:
1- المتمثل بالتاريخ الغربي اللاحق للقرون الوسطى وما حمله من تغيير على كافة المستويات في ما يمثل الأزمنة الحديثة. فالعصور الوسطى تعكس ماضيه البعيد الذي اتخذ خيار القطيعة عنه. والعصور الحديثة هي كالمرآة تعكس صورته الحاضرة في تطورها المستمر.
2- من انتمى في تاريخه الوطني في لحظة ما إلى قوة مستعمرة. وهو ما يجعله يعتدّ بنفسه مهما حاول إخفاء الأمر، أو تعامل مع الآخرين بلطف وتهذيب.
3- ينتمي إلى بلد رأسمالي اقتصاده حر وليبرالي.
4- يعيش في بلد صناعي كلياً أو جزئياً.
5- يعيش في دولة القانون.
6- ينتمي إلى مجتمع مدني.
7- مسيحي أو علماني.
8- يتكلم لغة أوروبية معروفة.
ويختم الكاتب دراسته بالسؤال: "هل التغيير في المسار التاريخي ممكن؟". يعترف هنا بتفوق الغرب، لكنّه يؤكد في الوقت عينه، بأنّ من غير المنطقي توقع استمرار سيطرته على العالم. فصحيح أنّ الغرب يجدد دينامية السيطرة على الدول بتمرّس ، لكنّه يستغل تفوقه لبسط السيطرة على جميع البلدان التي تقع خارج دائرة حضارته، وهو ما أدى إلى نتائج سيئة هي:
1- الحرب باتت ثابتاً من ثوابت العلاقات الدولية، خصوصاً أنّها رافقت جميع تدخلاته في الدول الأخرى. وأسست هذه العدوانية لحروب غربية- غربية. وهو ما ظهر في الحرب الباردة.
2- العلاقات بين دول الشمال والجنوب ينسجها الغرب على أساس مصالحه تجاه مصالح دول الجنوب. لا يرى الغرب أنّ زمن العدالة والمساواة العالمية قد حان. يتعاملون بازدواجية، فأخوّة غربية- غربية، وغلبة خارجية على دول الجنوب باسم الديموقراطية.
3- يمكن للغرب أن يستمر في السيطرة وربما لن يوقفه أحد. لكن خلال عدة عقود ستظهر مشاكل ديموغرافية على الخريطة العالمية وسيتفاقم الانقسام بين الكتلتين الأوروبية والأميركية، وعندها سيفرض التغيير الاستراتيجي نفسه. وهنا يبرز مثالاً من صامويل هانتنغتون الذي حذر من تمدد الثقافة اللاتينية إلى الولايات المتحدة عبر التزايد السكاني المكسيكي "الذي لا يبشر بالخير لأنّ الأمر سينعكس لاحقاً على صورة أميركا  (البيضاء، البروتستانتية، الإنكلوساكسونية) حتى باتت مهددة.
يذكّر الكاتب الغرب بأنّه مسؤول اليوم تجاه نفسه وتجاه بلدان الجنوب عن:
- تبديل أولوياته السياسية تجاه تلك البلدان.
- تقاسم خيرات الأرض مع جميع الأمم.
- إطلاق مشروع تنموي شامل عالمي لا عولمي.
وبذلك يتحقق ذوبان الغرب الغالب ليحلّ مكانه الغرب المشرق. ومع ذلك يشترط الكاتب لذلك تغييراً في موازين القوى الحالية بين الشمال والجنوب. ويتركنا مع نهاية قاتمة، أنّ مثقفي الجنوب يشكّون بهذا الاحتمال كثيراً اليوم.

عصام سحمراني
‏21‏/12‏/2015

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

يوميات لبنانيين محاصرين في المربع الأحمر

نصائح لنجاح متكامل في العام الجامعي الأول